الأقنعة الذهبية
السياسة والدين والجنس ،، هي أكثر المواضيع التي تشغل تفكير معظم البشر، بل قد تكون أكثر المواضيع التي يتناولونها في أحاديثهم اليومية مع نظرائهم، بغض النظر عن مدى قوة الصلة والقرابة أو الرابط الذي يربطهما.
لا يخلو خبراً أو حدثاً تتناوله العامة والخاصة يخلو من إحداها، إن لم يقترنان إثنان منها معاً أو تكون مجتمعة في بعض الإحيان، ولا تخلو نكت أو سخرية وكاريكاتير منها، ولا يخلو فناً أو شعراً أو رواية أو قصة منها، ولا يخلوا مجتمعاً أو ثقافةً في أدق تفاصيلها منها.
بل لا يخلوا أي من هذه الثلاثية إحدى الأخريات .. في مشهد سريالي متشعب، مترابط ومتشابك كظفائر حسناء يطغى حظورها على الغول المرسوم على وجه كل من يشاهدها.
في نفس الوقت تجد أن هذه الثلاثية تعتبر من الممنوعات لدى البعض من الشعوب والمجتمعات، وأيضاً من المحرمات أحيانا لدى آخرين، وفي بعض المجتمعات الغربية ينئون بأنفسهم عن الحديث أو التطرق لأي مواضيعها كما هو في الظاهر طبعاً، إلا أن جل تصرفاتهم تكون عكس ذلك تماماً.
قد تختلف أسباب تناول هذه الثلاثية، أو الإبتعاد عنها، فهناك ممن هم يتعاملون مع هذه الثلاثية بواقعية تامة ويتناولونها أو يمارسونها بحرية تامة.
وهناك ممن يرون أن لا جدوى من التعامل مع أمور محسومة مسبقاً، وهناك من يرى أن الأمر جدير بالتناول لا لشيء إلا لأنها تشكل جزء مهم من حياتهم اليومية، ولكن بفضلون عدم تناولها علناً.
وهناك من يخير عدم تناولها بالهروب إلى منطقة الظل أو كما تسمى بمنطقة الرفاهية The Comfort Zone وفق مفاهيمهم الشخصية.
كما هناك ممن يتناولونها سراً حيث تشكل جزءاُ من حياتهم وتفكيرهم ، إلا أنهم يحاولون الظهور بمظهر مخالف تماماً.
وفي مجتمعاتنا العربية والشرقية ستجد هوس مفرط بها، ولكن وفي محاولة بائسة ستجدهم يحاولون دائماً الظهور بمظهر من ينئا بنفسه عن إحداها على الأقل، حيث يأتي ذلك من منبع القناعة بأن هذه الثلاثية متضادة في المفاهيم ومتعاكسة في الإتجاه وفق الموروثات والعقائد.
ولذلك ستجد أن لا مناص لدى الأكثرية من وضع الأقنعة بمختلف أشكالها وألوانها، وستجد بما لا يدعي للشك بأن تلك الأقنعة هي سيدة المشهد في كل تفاصيل وجزئيات حياتهم اليومية، وقل وندر من لم يضع قناعاً، ليخفي الوجه الحقيقي الذي يتناول تلك المتضادات حسب فهمه.
وطالما زاد لون القناع قتامة، زادت رغبة صاحب القناع في إخفاء ما ورائه، ولكن لا دليل قطعي على ذلك فالكثير ممن يضعون قناعاً أبيضاً مثلاً، يحاولون إيهام من أمامهم بمقدار أعلى من الشفافية، والظهور بمظهر النقي، الناصع، والملائكي.
وبدون أي مواربة، سنجد أن جل أبناء وبنات مجتمعاتنا، هم من هؤلاء الذين يضعون الأقنعة الأكثر لمعاناً وبريقاً تلك الأقنعة التي توحي بأنها أشبه بالخفية، تلك الأقنعة التي لا تصدأ ولا يمكننا إلا الإعجاب ببريقها، هؤلاء هم أصحاب الأقنعة الذهبية بكل جدارة وإمتياز .