التحوّل الجنسي من خلال قرار ما يعرف ب “لينا- ريان”
فتاة تعاني من مرض “اضطراب الهوية الجنسية”، لها جسم أنثى ومسكونة بالاقتناع بكونها ذكر، اتبعت علاجا هرمونيا وجراحيا لتصحيح جنسها لوضع حدّ لمعاناتها النفسية، وقد أقدمت على إجراء تدخّل جراحي بألمانيا لتغيير جنسها إلى ذكر ثم للتداعي ابتدائيا أمام الدائرة السابعة والعشرون للمحكمة الابتدائية بتونس المنتصبة للقضاء في مادة الأحوال الشخصية مطالبة بالقضاء بتغيير جنسها من أنثى إلى ذكر وتغيير اسمها لاسم ذكري والإذن بالتنصيص على ذلك في دفاتر الحالة المدنية (مضمون الولادة)، وقد قضت المحكمة لصالح الدعوى، وهو حكم جريء وتجديدي غير اصطفافي
و قد خضعت لينا إلى فحوص طبية أكدت أنها ليست مريضة نفسانيا أو عقليا و ليس شذوذ جنسيا و إنما هو اضطراب في الهوية الجنسية لاعتبار اقتناع المدعية بكونها منتمية لجنس الذكور منذ الطفولة و هو ما لا يمكن تفسيره باعتبار و أن الهوية الجنسية لا تفسر على الرغم و ان التحليل الجيني المجرى في 2010 يفيد وجود نمط جيني من نوع أنثوي إلا انه ثبت له وجود خاصيات ثانوية ذكورية من النوع ألذكوري وفقا لتشخيصه و انتهى الحكيم إلى القول أن المدعية ثبت انتمائها للذكور سلوكا و حركات ذكورية و نفسية ذكورية كما انه حقق أنها لا تعاني مطلقا من انحراف سلوك جنسي كالشذوذ. و قد جاز للمدعية إجراء تدخل جراحي لاستئصال الثديين سنة 2006 و الرحم في 2009 و قد اتجهت المحكمة في إقرار حالة الضرورة التي تبيح المحظور معتبرة أن المدعية لم تتلائم مع جسدها إلى حدود سن ألاثني عشر حين قررت إجراء العمليات فقد بذلت جهدا كبيرا للتكيف مع حالتها الجسدية إلا أنها أصيبت بانهيار حيث ظهرت عليها علامات البلوغ و قد عجزت عن العلاج النفسي و أقدمت على الانتحار. و ارتكزت المحكمة في توجهها على المواثيق الدولية و الدستور معتبرة أن ما تقدمت به المدعية مباحا في تغيير جنسها من أنثى إلى ذكر و قد أقرت المحكمة ضرورة تغيير التنصيص برسم ولادتها بالتشطيب عن أنثى و تعويضه بذكر و تباعا لذلك فقد تم تغيير اسمها من لينا إلى ريان.
التعليق
هذا القرار يمثل ثورة على المعتاد من الأحكام الرافضة لتغيير الجنس و هذا بالمقارنة مع قرارات مشهورة صدرت سابقا كحكم شاذلية وشاذلي وأميرة وأمير، وكلّها أحكام برفض تغيير الجنس.لكن و رغم انه قرار جريء و غير مسبوق إلا أن تبعاته قد تكون سلبية خاصة على العائلة التونسية و مفهومها لما لها من قداسة في القانون التونسي. كما أن هذه المسالة قد تثيرمشاكل عدة فيما يتعلق خاصة بقواعد الإرث و منابات الورثة
فبالرجوع لعديد الأحكام والقرارات القضائية السابقة في هذا المجال، نلاحظ انسياقا نحو المرجعية المحافظة المستلهمة من الثقافة الإسلامية التي يؤسس عليها القاضي أحكامه في مادة تغيير الجنس و هذا ما نتبينه من خلال قراءة القرار الإستئنافي الصادر عن محكمة الإستئناف بتونس في 22 ديسمبر 1993. فقد اختزلت المحكمة آنذاك المسألة في كون رفض مطلب تغيير الجنس أساسه حماية المجتمع، على اعتبار أن “متحول الجنس” يهدد المثال المحافظ ونواة المجتمع التي هي الأسرة التقليدية المتكونة من رجل و امرأة
حكم موضوع التعليق ذهب في منحى مختلف فهو لم يقصر تعليل حكمه على ما قد يؤيده من مراجع مستمدة من الشريعة الإسلامية، بل استأنس بالتجارب المقارنة في فقه القضاء كالمحاكم الفرنسية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والتي اعتبرت حماية الهوية الجنسية والاعتراف بها عنصرا من عناصر حماية الحياة الخاصة للأفراد التي تلتزم الدولة. وبتأويل عكسي لما ورد بهذا الحكم، يعد عدم الاعتراف بالهوية الجنسية انتهاكا للحق في احترام الحياة الخاصة كما ورد بالدستور وبالنصوص الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها تونس والذي ذكر القاضي بعلويتها على القوانين.
لئن تحمي الدولة حرمة الحياة الخاصة ومنها في قضية الحال الحياة الخاصة المتعلقة بالهوية الجنسية، فهي في نفس الوقت تحمي الفرد من نفسه حتى لا تصبح “حرية اختيار الفرد لجسده” وتغيير هويته الجنسية مبالغا فيه أو ضارا بالشخص خاصة ولا سيما أن مثل هذه العمليات نهائية ولا رجعة فيها. ومن ناحية أخرى اعتمدت المحكمة مبدأ “الضرورة تبيح المحظورات” مما يدل على ان ما أقدمت عليه المدعية هو من آخر الحلول ولم يعد هناك من وسيلة لينعم بحياة عادية كباقي الأفراد تكريسا لكرامة المواطنات والمواطنين على حد تعبير الفصل 21 من الدستور.
إذ يبدو أن المحكمة في قضية الحال تتبنى نظرية أن مسألة الجنس مسألة تتعلق بالنظام العام وليس بالإرادة الفردية وحسب لذلك هي تضع شروطا للسماح للمتقاضية بتغيير رسم الولادة وذلك رغم اعترافها بأن الهوية الجنسية تندرج ضمن عناصر الحياة الخاصة.وبالتالي، تتأسس حماية النظام العام في ما يتعلق بتغيير الجنس على استقرار الحالة المدنية فكل “تغيير اصطناعي” غير مقبول. أما التغيير المبرر طبيا من الناحية الجسدية أو النفسية فهو وحده الذي يكون مقبولا، وذلك في محاولة لإيجاد التوازن بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة التي تتمثل في حماية الصحة العامة.